ابراهيم حيدة للمحاماة والاستشارات القانونية

عقود الشغل محددة المدة

??

لقد سعى المشرع المغربي من خلال إستراتيجيته الداعمة لإستمرارية المقاولة إلى تدعيم حق المشغل في التشغيل المؤقت، إنسجاما مع شعار المرونة في علاقة الشغل، الشيء الذي كان معه عقد الشغل محدد المدة أحد أهم تجلياته. هذا العقد الذي حظي بإهتمام كبير من طرف المشرع والذي حاول من خلال الاستجابة قدر الامكان لحاجيات المقاولة دون أن يؤدي ذلك إلى الاضرار بمصلحة الاجير.

وبذلك كان هاجس دعم إستمرارية المقاولة الدافع الرئيسي وراء تنظيم المشرع لعقود الشغل محددة المدة كعقود مكملة لعقود الشغل غير المحددة المدة من خلال إستجابتها لحاجيات التشغيل. هكذا سنحاول الوقوف عند عقود الشغل المحددة المدة كآلية لخدمة سياسة التشغيل (الفقرة الاولى)، على أن نعالج في(الفقرة الثانية) حالات لعقود الشغل محددة المدة.

الفقرة الاولى: عقود الشغل محددة المدة آلية لخدمة سياسة التشغيل.

لقد أصبحت علاقة الشغل تتسم يوما بعد آخر بالطابع المؤقت، فزمن الشغل الدائم قد ولى، واللجوء إلى عقود الشغل غير محددة المدة أصبح نادرا، في مقابل ذلك أخذت عقود الشغل محددة المدة تنتشر بشكل لا مثيل له، الامر الذي جعل المنظمات العمالية تبذل قصارى الجهود لمواجهتها والحد من اللجوء إليها، لكن هذه المواجهة تبدو غير متكافئة، على إعتبار أن المقاولات والمشغلين أصبحوا يفضلون الارتباط مع أجرائهم بعقود محددة المدة

 تستجيب وتتماشي مع وضعية المقاولات الصغرى خاصة خلال فترة الازمات الاقتصادية(أولا)، الامر الذي يجعلها أهم وسيلة من ولوج عالم الشغل (ثانيا)

أولا: إستجابة عقود الشغل محددة المدة لحاجيات المقاولات:

إيمانا من المشرع المغربي بأهمية التشغيل المؤقت في الاستجابة لحاجيات المقاولة فقد عمل على إقرار قواعد مرنة تتماشى مع هذه الحاجيات، والتي كان من أبرز تجلياتها تنظيمه لعقود الشغل محددة المدة، هذه الاخيرة التي تعود بالمنفعة  على الكل  ، فالمشغل يجد فيه أداة عملية لمواجهة بعض الصعوبات الاقتصادية والوقتية، كما أن الاجير يتوفر على إستقرار ملموس في الشغل، إذ أنه يلتزم بالشغل وهو عالم ببدايته ونهايته.

إن تقنين المشرع لعقد الشغل محدد المدة يترجم عبارة مرونة الشغل التي أصبحت تتردد بإستمرار في العقد بين الاجير وبين المشغل، ويقصد بها التكييف مع حاجيات المقاولة، وبعبارة أخرى، التوفيق بين قواعد قانون الشغل ومحيطه الاقتصادي والاجتماعي. وقد ظل المشغلون يدعون إلى ضرورة إقرار قانون شغل مرن يتماشى مع المتغيرات التي يشهدها سوق الشغل خاصة مع توالي الازمات الاقتصادية، والواضح أن العقد المحدد المدة يبقى حل جزئي، ينسجم مع النصوص ومع أشغال لا يمكن أن تكون إلا مؤقتة كالاعمال التي تضطر المقالة الى القيام بها  خاصة عند إزدياد نشاطها.

وقد أثبت الواقع أن عقود الشغل محددة المدة تساهم في إدماج عدة أصناف من الاجراء والذين يوجدون في وضعية لا تخولهم ولوج سوق الشغل، بحيث تمكنهم هذه العقود من الاندماج في المقاولات بصفة تسمح لهم من الاستفادة من مقتضيات قانون الشغل حتى لو كان ذلك بصفة مؤقتة،

ثانيا: عقود الشغل المحددة المدة وسيلة لولوج عالم الشغل.

إن العقود المحددة المدة قد وضعت لتكملة العقود غير المحددة المدة، فشرعية الاولى تكمن في تغطية العمل المؤقت، أو بعبارة أخرى فإن اللجوء إلى العقد المحدد المدة ينبغي أن يكون ملزما للعمل المؤقت، وهذا ما يجبر القضاء عند النزاع إلى مراقبة العقد المحدد المدة بصفة دقيقة. فإذا كان العقد غير المحدد المدة هو الاصل وهذا ما اقرته المادة 16 من مدونة الشغل، فإن ذلك يجعل العقود المكملة تنحصر في إطار العمل المؤقت، وهي بذلك تعتبر عادة تقنيات تساهم في التشغيل، والتي ينبغي عدم إهمال أهميتها، إذ اللجوء إليها بصفة متزايدة قد يساعد على إمتصاص البطالة ولو بصفة جزئية، وينبغي أن نسعى إلى ترجمتها إلى مدة تلائم قانونا جميع الاطراف ، فرغم كونها تساهم في العمل المؤقت فقط، فإنها توفر أحيانا مناصب شغل دائمة، وذلك عند تنقل أجير من عمل مؤقت إلى آخر وهذا ما يقتضي تفهم أطراف العلاقة الشغلية لمزايا هذه العقود التي ينبغي أن تستمر بحسن نية.

إن التشدد في الابتعاد عن العقود المحددة المدة، يعمل على عدم تشجيع المشغلين على الاستخدام المحدود، رغم إمكانية المقاولة في إستيعاب هذا النوع من العقود.  فالعقد المحدد المدة يبقى حل جزئي، ينسجم بالخصوص مع أعمال لا يمكن أن تكون إلا مؤقتة، فاللجوء إليه يعتبر حالة إستثنائية، ينبغي أن تلتجئ إليها المقاولة في إطار العمل المؤقت، أو الاعمال التي تكمل عمل الاجراء القارين بالمقاولة عندما يتعلق الامر بتعويض أجير أو إضافة وقتية ضرورية لعمل جديد او لضمان الزيادة في الانتاج لفترة محددة .

والواقع أن عدة أنواع من العمل في إطار العقد المحدد المدة، قد عرفت إنتشارا ملحوظا داخل المقاولات بصفة عامة، ولا سيما الصغيرة، وهي تبرز أحيانا كعنصر أساسي للمرونة التي يطالب بها بعض المشغلين من جهة، ويمكن أن تعتبر وسيلة إدماج عدة أصناف من الاشخاص يوجدون في عسر أمام سوق الشغل من جهة أخرى،لتبقى  إمكانية إدماجهم في المقاولة بصفة تسمح لها بالاستفادة من مقتضيات قانون الشغل ولو بصفة مؤقتة عوض إستغلالها من قبل بعض المشغلين بصفة سرية، تهربا من المقتضيات القانونية بصفة عامةومقتضيات قانون الشغل بصفة خاصة، فالعمل السري يعتبر أحد الامثلة الكثيرة إنتشارا للعمل النموذجي.

الفقرة الثانية: الحالات الفضفاضة لعقود الشغل محددة المدة:

أولا: حالات عقد الشغل المحدد المدة المقررة بنص تشريعي .

نص المادة 16 من مدونة الشغل على أنه:” يبرم عقد الشغل لمدة محددة أو لمدة غير محددة أو إنجاز شغل معين، ويمكن إبرام عقد الشغل المحدد المدة فيما يلي:

1: إحلال أجير محل أجير آخر في حالة توقف عقد شغل  ما لم يكن التوقف ناتجا عن إضراب.

2: إزدياد نشاط المقاولة بكيفية مؤقتة.

3: إذا كان الشغل ذا طبيعة موسمية.
يمكن إبرام عقد الشغل المحدد المدة في بعض القطاعات والحالات الاستثنائية التي تحدد بموجب نص تنظيمي بعد إستشارة المنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء الاكثر تمثيلية أو بمقتضى إتفاقية شغل جماعية.
من خلال هذه المادة يظهر أن حالات إبرام عقد الشغل المحدد المدة محصورة فيما يلي:

أ- إحلال أجير محل أجير آخر في حالة توقف عقد الشغل .

في هذه الحالة يسوغ للمشغل إبرام عقد الشغل المحدد المدة مع الاجير الذي ياخد  محل الاجير الذي توقف عقد شغله بإحدى الاسباب المنصوص عليها في المادة 32 من مدونة الشغل ،والحقيقة أن ما يضفى على هذا العقد صيغة محدد المدة هي تأقيت الشغل نفسها وجعله مؤقتا، فهي تنص على أنه ” يتوقف عقد الشغل مؤقتا ” وبالتالي فإنه يصبح من نافلة القول التأكيد على أن مادام توقف العقد هنا يكون بصفة مؤقتة فإن الاجير الذي سيعوض الاجير الغائب سيؤدي عمله لمدة مؤقتة تغطي فقط فترة الغياب، وهو يضفي على العقد صبغة التحديد، غير أن ما يميز هذه الحالة هو أننا قد نكون أمام توقف لعقد الشغل لمدة تتميز عادة بطابع النسبية لان التغيب بسبب المرض أو حادث شغل قد لا يكون مضبوطا بصفة مطلقة.
وتجدر الاشارة في هذا السياق إلى أن العديد من التشريعات المقارنة قد أوردت في قوانينها مدة قصوى بالنسبة للتعاقد المؤقت تراوحت بين سنتين وخمس سنوات وهنا لا يمكن القول بأن إحلال أجير محل آخر إذا تجاوزت فترة التوقف مدة سنة يجعل العقد ينقلب إلى عقد دائم ، إستنادا إلى مقتضيات الفقرة الثانية من المادة 17 التي تنص على أن  العقد مبرم لمدة أقصاها سنة يصبح في حالة إستمرار العمل به إلى ما بعد أجله غير محدد المدة.


ب- إزدياد نشاط المقاولة بكيفية مؤقتة.


تعد هذه الحالة إحدى الحالات التي يمكن أن يعتمدها المشغل في ابرام عقد شغل محدد المدة، ذلك أن المقاولة قد تتعاطى إحدى الانشطة التي تتميز بإزدياد فترات الطلب على خدماتها أو السلع التي تروجها وقد يكون ذلك بصفة إعتيادية ويجب التذكير بأنه إذا كان المشرع قد أورد هذه الحالة كمرونة منه لصالح المشغل، فإنه على هذا الاخير أن يستعملها بحسن نية وذلك بالاقتصار فيها فقط على المدة التي يزداد فيها نشاط المقاولة بصفة غير إعتيادية ولمدة معقولة، على إعتبار أن عدم تحديد المشرع للمدة القصوى التي يجوز فيها إبرام هذا العقد، قد يجرنا دائما إلى القياس على مقتضيات المادة 17 من مدونة الشغل خاصة الفقرة الثانية منها، وإعتباره بالتالي  يستمر العمل به إلى ما بعد فترة إزدياد نشاط المقاولة بكيفية مؤقتة،و بمثابة عقد غير محدد المدة، ذلك أن أجل السنة ينبغي أخذه كمبدأ عام بالنسبة للعقود المحددة المدة وكل تجاوز له يستوجب تعليلا مقنعا من جانب المشغل، وفي هذا حماية لمبدأ إستقرار الشغل وإنسجاما مع المبادئ التي أرستها منظمة العمل الدولية والتي عرفت بدورها العامل العرضي بذلك الذي يستخدم بصفة مؤقتة.


ج/العمل الموسمي


العمل الموسمي هو الذي ينجز في مواسم دورية منتظمة، دون نظر إلى المدة التي يستغرقها ما لم تصل إلى ستة أشهر من الشغل داخل نفس المقاولة، وذلك بصرف النظر عن الطريقة التي يتقاضى بها الاجير أجره وعن دطريقة أدائه.
والعمل الموسمي هو الذي ينجز في ظل موسم معهود، وإنما يتعين أن يكون من مستلزمات ومقتضيات هذا الموسم، حتى لا يتخذ هذا الاخير ستارا لوصف ما هو عقد غيرمحدد بما هو هو محدد ، وسمي العقد بالموسمي بحجة إبرامه في ظل موسم معين كمثال إستخدام شركات التصبير لاجراء وقت وجود المنتجات محل التصبير، أو كاستخدام أجراء موسميين من قبل فنادق السياحة في وقت الصيف أو غيره من الاوقات التي يشتد فيها الطلب على السياحة والتي تساعد القاضي في تحديد الموسم سوى العرف أو بواسطة الوثائق التي سلمها المشغل وعقد الشغل الموسمي يعتبر شكلا من أشكال عقد الشغل، يستفيد الاجير بواسطته من جميع الحقوق والمزايا التي تخولها المقتضيات القانونية الشغلية، بإستثناء تلك المرتبطة بصفة الاجراء القارين.


وإذا كان المشرع المغربي قد منح مرونة واسعة للمشغل في إبرام عقود شغل مؤقتة ، فإننا نلاحظ أنه كرس هذه المرونة بتحديده للمدة خلال تنظيمه لعقود العمل الموسمية القصوى لهذا النوع من العقود بالنسبة للمشغل، أما بالنسبة للاجير فإن تنظيم المشرع لهذا العقد يكون قد كرس بذلك عدم إستقرار علاقات الشغل وعدم إستمرارها.


د- حالة فتح مقاولة لاول مرة أو مؤسسة جديدة داخل المقاولة أو إطلاق منتوج جديد :
لقد راعى المشرع وضع المقاولات المستحدثة والفتية التي لا تستطيع توقع نجاحها منذ الوهلة الاولى عند فتح المقاولة أو المؤسسة أو إطالق منتوج جديد وحتى يقيها من تحمل تكلفة إنهاء العقود غير محددة المدة فقد سمح لها بإبرام عقود شغل محددة المدة أقصاها سنة قابلة للتجديد مرة واحدة، وتعتبر هذه المبادرة من حسنات المشرع وإن كان يؤخذ عليه إقصاؤه للقطاعات الفلاحية من الاستفادة من هذه المقتضيات على الرغم من كونها خاضعة ، إسوة بباقي المقاولات الاخرى لمدونة الشغل، وهي بدورها معرضة للمخاطر ومن  الصعب القول بأن كل المشاريع الفلاحية قابلة للربح ومهيئة للنجاح منذ الوهلة الاولى، إلا أنه رغم ذلك فالمشرع خول المشغل في القطاع الفلاحي مرونة خاصة تتماشى وطبيعة القطاع حيث قام بمنحه إمكانية إبرام عدة عقود داخل أجل السنتين تصل إلى أربعة عقود لكل واحد منها فترة ستة أشهر على ان يبقى له الخيار بعد إنقضاء هذه المدة، إما أن يتخلص من أجير وفق قواعد إنهاء العقد المحدد المدة أو أن يستمر معه على أن يتحول العقد ليصبح غير محدد المدة.


ثانيا: حالات عقد الشغل المحدد المدة المقررة بنص تنظيمي أو إتفاقية جماعية دائما مع المرونة التي خولها المشرع للمشغل في إطار، عقود الشغل المحددة المدة جاءت المادة 16 من مدونة الشغل في فقرتها الاخيرة بمقتضى جديد ينص على إمكانية صدور نص تنظيمي بعد إستشارة المنظمات المهنية للاجراء الاكثر تمثيلية  . وهكذا تكون القطاعات والحالات الاستثنائية التي يمكن فيها إبرام عقود شغل محددة المدة المنصوص عليها في المادتين 16 و17 وبذلك منحت إمكانية أخرى لاستفادة المقاولات من مرونة أوسع بإرتباطها مع الحالات التي يمكن أن تبرزها الممارسة وتطورات المحيط الاقتصادي.
كما يؤشر ذلك على أن المرونة الفعالة للمقاولة هي تلك التي تكون مرفقة باستحضار موقف ومشاركة كل مكونات المقاولة حتى تكون مفيدة لها ولا تعرقل مسيرتها وتنمية قدراتها الانتاجية.
وقد تم فعال إنجاز مشروع مرسوم يحدد القطاعات الاقتصادية والمهن التي يمكن فيها إبرام عقد شغل محددة المدة (أ)، وكذا بعض الحالات الاستثنائية المضافة (ب).
أ- الحالات الخاصة ببعض القطاعات :

لقد جاءت هذه القطاعات محددة كالتالي:
-الانشطة السياحية وخصوصا منها الوحدات الفنذقية والمطاعم والترفيهية ،

-أوراش بناء الاشغال العامة المحددة المدة.
-المقاولات والمؤسسات المختصة في مختلف أنواع التعليب(السمك، الفواكه، الخضر).
ب- الحالات الاستثنائية المضافة للصناعة السينمائية لتعديل الاشرطة وكذالك الاعمال الفلاحية المتعلقة بالحرث والحصاد والجني وتتمثل هذه الحالات حسب النص التنظيمي فيما يلي:-فترة الخدمة العسكرية الاجبارية
-الاجازة غير المدفوعة الاجر لأجيرة والممنوحة بغرض تربية مولودها إجازة الامومة المرض الطويل أو المتوسط الامد أو حادثة شغل او من اجل استفادة الاجير من التكوين المستمر المنصوص عليه في القانون الداخلي أو الاتفاقية الجماعية. هذه إذن هي الحالات التي يمكن فيها اللجوء إلى إبرام عقود الشغل المحددة المدة بمقتضى مشروع النص التنظيمي، وهي تعبر بدون شك عن وجود مرونة واسعة ومبررة تسمح للمقاولات بأن تتكيف مع الشروط الاقتصادية والتقلبات التجارية خارج ضغوط وإكراهات التحملات الاجتماعية.

#التوعية_القانونية_للجميع.

 

Share on facebook
Facebook
Share on twitter
Twitter
Share on linkedin
LinkedIn

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *